قديماً استخدم معاوية، مؤسس الدولة الأموية، قميص عثمان، رضى الله عنه، لإشعال فتنة مازلنا نكتوى بنارها حتى اليوم، وأعتقد أن قميص أحمد الكهربائى المسلم الذى حرقه سامح المكوجى المسيحى سيكون بداية فتنة تنطلق من قرية دهشور لتلف جسد مصر بعباءتها القبيحة وكفنها الأخرس، فتنة تنطلق مثل كلب أجرب يعدو بذيله المشتعل فى غيطان المحروسة الغارقة فى جاز العنصرية، وإذا كان قميص عثمان ذى النورين يستحق أن يكون مبرراً ولو ظاهرياً لأطماع سياسية وغطاء ولو ديكورياً لإنشاء دولة ملكية أموية، فإن قميص الأخ أحمد الكهربائى لا يستحق أن يكون غطاء لأى شىء أو مبرراً لأى تصرف إلا فى وطن مجنون عار حتى من ورقة التوت!

سامح المكوجى وأحمد الكهربائى شابان مكبوتان منكوبان بقلة الثقافة وضعف الوعى وأنيميا التواصل والحوار، لكن فى مجتمع كان اسمه مصر ثم أصبح مصرستان، ينتمى الأول إلى قبيلة دينية يعتقد الثانى أنها لا بد أن تعزل فى جيتو خاص بها، تغذى الثانى على أفكار رفض الآخر وظل هذا الرفض يتضخم سرطانياً إلى كراهية وعداء مغلف للأسف بغلاف دينى سميك، فتحولت جمرة القميص المحروق ببنزين تلك الأفكار العنصرية إلى بركان نار حرق وسلب ونهب الكنيسة والمحلات والمنازل والقلوب أيضاً.

إن ما يحدث ليس فتنة طائفية بل هو عنصرية واضحة وصريحة نتيجة فكر فاشى نازى يسرى فى نخاع المجتمع وأوصاله، بدأت بوادره فى زمن النظام السابق واتضحت ملامحه وتسارع إيقاعه فى زمن اللانظام الحالى، فصار الاستقواء بالدين واستعراض العضلات بالعقيدة طعاماً يومياً وسلوكاً روتينياً، أين القانون على المواطن المصرى سواء كان مسلماً أو مسيحياً؟، وهل ينتبه من يطرحون تلك الأفكار الغريبة التى تنتمى إلى عصور ما قبل التاريخ عن مرجعية المؤسسات الدينية الاكسكلوسيف الحصرية ورفض كلمة مبادئ وشطب حقوق الشيعة والبهائيين من قاموس المواطنة والإصرار على إقحام عبارة سيادة الله... إلى آخر هذه المشاجرات التى لا تنتبه إلى أننا نبنى وطناً توافقياً لا زاوية سلفية، ونصنع دستوراً مدنياً لا مذهباً فقهياً.

لم يعد مقبولاً أن يكون الحل هو تهجير المسيحيين من منازلهم وقراهم تمهيداً لتهجيرهم من أوطانهم، لم يعد مقبولاً أن يكون الحل بمجالس عرفية بعيداً عن القانون وآلياته يجلس فيها الدعاة الذين يسبون العقائد الأخرى من على المنابر وفى شرائط الكاسيت ليملوا شروطاً مجحفة على من وقع عليهم الضرر والاضطهاد والحكومة تتفرج، لم يعد مقبولاً المسكنات بل الأدوية المعالجة حتى لو اضطررنا إلى جراحة القلب المفتوح والعقل المفتوح أيضاً!! لم يعد مقبولاً تهميش الأزهر واغتيال الفكر المستنير ومطاردة أنصار العقل لصالح خفافيش الظلام، لم يعد مقبولاً الخرس والسكوت فى زمن الضجيج والموت.